حين لاحظت عقلية المسلمين المتحجرة التي انكشفت بفضل مواقع التواصل والأخبار اليومية ادركت محدودية تفكير كثير من المسلمين وهو ما أوصلني لهذه الإحصائية التي توضح مدى التحصيل العلمي نسبة للديانات الأساسية في العالم ووجدت تفسيرا لما أراه على تساؤلي, وهو تفشي الجهل في عالمنا الإسلامي وهو ما يؤسفني بأن أنوه عنه,
تلفت أنظارنا الاحصائية بأن العالم الإسلامي أقرب إلى الأمية منه إلى العلم ,بالرغم من تطور المؤسسات التعليمية والبنية التحتية للدول المسلمة مقارنة بغيرها من الدول, المثير للجدل بأن هذه الحقيقة تتعارض مع ما يدعو إليه الاسلام من التفكر في خلق الله وطلب العلم وبأن طالب العلم اعلى مرتبة عند الله, قد يشكك البعض في الرقم الذي لا يعكس مبادئ الاسلام, ولكن لو تفكرنا في تصرفات المسلمين من منظار أوسع لوجدنا همجية منتشرة ,عقلية المنغلقة و تصديق أعمى للإعلام والتعصب للرأي مقارنة بالشعوب الاخرى لاستنتجنا منطقية الارقام, ولكن يبقى السؤال,إن كنا في ما سبق منارة للعلم ومرجع للعلوم الفلكية والفيزيائية ف ما سبب تراجع العلم بين المسلمين اليوم وانتشار الجهل بينهم؟ بينما على الجهة الاخرى ارتفاع نسبة العلم بالنسبة لليهود

- هل يتعارض العلم مع الدين؟
من المتعارف عليه عالميا بأن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي ألزم وحث على وجوب العلم, حتى أنه أجل العلماء ورفع منزلتهم ليتساوى مع منزلة الأنبياء, في الوقت الذي عارضه الدين المسيحي بل و كان ينسب الوثنية لكل من تسول له نفسه في البحث في اسرار العالم, كما حدث مع جاليليو حين برهن كرويه الأرض و تم تكفيره ومحاكمته في حين أن الدين الإسلامي أقر بكروية الأرض من خلال القرآن الكريم, حين كان مكملا للعلم وليس معارضا له في قرون مضت,؟
للإجابة على هذا التساؤل دعونا نعود بالزمن ل 1400 سنة للوراء بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشار الإسلام,
حين نزل الاسلام في القرن السابع الميلادي وانتشر في الجزيرة العربية وأباد الجهل الوثني السائد انذاك, شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على التعليم, بأن يقايض كل اسير مشرك بأن يقوم بتدرس عشر طلاب مسلمين نظير عتقه, وفي القرن التاسع ميلادي أي بعد 140 عام في وقت نهضة الاسلام {العصر الذهبي الإسلامي}, ازدهر التعليم وطغت الثقافة على الجميع, وانشئت الجامعات في المدن العربية والاسلامية, وابتكر المسلمون أسلوب المنهج العلمي في البحث والاكتشاف والتي تتضمن التجربة , المشاهدة والاستنتاج, وأدخلوا علوما جديدة كالكيمياء وعلم الجبر والمثلثات والتي تطلق باسمائها العربية حتى يومنا هذا, وابتكر العلماء اسلوب تصنيف القواميس بحروف الابجدية وغيرها من المجالات التي لا تخفى على الجميع
انتشرت المكتبات الضخمة في الدول العربية, حتى أن كل شخص كان يملك مكتبة في منزله , ينهل من العلوم والفلسفة والأدب والصيدلة والطب والفلك , ولا ننسى علوم الموسيقى والمعزوفات خاصة في العصر العباسي وظهرت الة العود والقانون والربابة, وتمت ترجمة علم الفلسفة من اليونانيين حتى ادخلت ك علم رئيسي يدرس في الجامعات, وغيره الكثير من العلوم التي ازدهرت في العصر الذهبي الاسلامي ما بين القرن التاسع والثالث عشر ميلادي, أي بين العصر الاموي والعصر العباسي في وقت سادت به الأمية دول أوروبا حتى وصلت ل 95 بالمئة منهم

غير أن كل ذلك الإزدهار كان قد بدأ في عصر هارون الرشيد 170 هجري إلا أنه بلغ أوجه تحديدا في عصر المأمون وتفرد بتجشيع مطلق وغير مسبوق في العلوم كالفلسفة والطب والفيزياء والفلك حيث أبدى الخليفة المأمون اهتمام خاص بعلوم اليونان, زادت به الثقافة وتوسعت الأفاق حتى بلغت الفضاء, و توسعت العلوم حتى بلغت الآداب السيريانية والفارسية واليونانية بعد أن تمت ترجمتها إلى العربية, ثم أكمل العلماء العلم عنهم ما توصلوا إليه من دراسات حتى باتت اللغة العربية لغة علم وفلسفة بعد أن كانت محصورة بالشعر والأدب , حتى أن المؤرخين الغرب قاموا بتصنيف العلماء المسلمين في تلك الحقبة بأنهم من الطراز الأول.
في واقع الأمر , بدأ تحرر عقل المسلمين وبلوغ أقصى الغايات من الكون انذاك حين اقتنع المأمون بمبدأ فرقة المعتزلة في التوحيد والعقيدة , حيث يرون ضرورة تقديم العقل على النقل في تفسير القرآن الكريم على عكس أهل السنة والجماعة الذين يقدمون النقل على العقل
حدث الأمر حين كان طالب العلم واصل بن عطاء يجادل استاذه الإمام الحسن البصري, حول مفهوم ارتكاب الكبائر بقوله أن من يرتكب الكبائر لا يصنف من المسلمين بينما كان رأي الحسن البصري بأنه مسلم ولكنه عاص, حينها خرج واصل من المكان , ثم علق الحسن البصري بذلك التصرف قائلا: اعتزلنا واصل…, ومن هنا انشأ واصل مجلسه الخاص وقام بتعليم الطلاب مبدأه من تفسير القرآن والعقيدة الإسلامية, وأطلق عليهم فرقة المعتزلة,

ثم وجد المعتزلة طريقهم إلى الخليفة المأمون, الذي كان يهوى اقامة المناظرات الدينية والعلمية في مجلسه, و اقتنع بفكرهم في تفسير العقيدة الإسلامية ثم أمر بتطبيق منهج المعتزلة في الحكم والعدل وسجن وجلد أي شخص يعارض أو لا يطبق مبدأهم حتى القضاة منهم, إلا أن الإمام أحمد بن حنبل كان من أشد المعارضين بمبدأ المعتزلة آنذاك واستمر سنين في السجن وهو مناصرا لقضيته واستمر سجنه في عهد المعتصم والواثق حتى أفرج عنه المتوكل ووضع حدا لنفوذ المعتزلة, إلا أن المؤرخين اتفقوا أن خلافة المتوكل كانت بداية دمار الدولة العباسية
قام الخليفة المتوكل على الله بتحويل المذهب من المعتزلي إلى السني الشافعي, و هدم الكنائس وضريح الحسين بن علي وضريح علي بن أبي طالب, ووضع علامات على اليهود والنصارى لتمييزهم ومنعهم من ركوب الخيل, من هناك بدأ التراجع في العلم والفكر حين سيطرت التيارات المتشددة على القصر والحكم وأثرت على العلم بشكل سلبي, وأهمهم المدرسة الحنبلية التي ركزت على سلبية التعاطي مع أي علم أو كتاب غير القرآن والسنة وجاء في إحدى أدبيات الحنابلة: لا تفرط في دراسة الكواكب، إلا لمساعدتك على تحديد ساعات الصلاة. لا أكثر من هذا, وبذلك تراجع الفكرالعقلي الجدلي واختفى تماما وظهرت العديد من الطوائف الدينية الاسلامية وتفرد كل وال بولايته حتى تفرقت الدولة العباسية إلى ولايات ,وانتهى عصرها بعد اجتياح المغول وحرقوا الكتب وقتلوا العلماء ثم اكتفى الفكر العربي بالنقد أو التقليد
لم تختف كل كتب المسلمين انذاك , ف بعض من اكتشافات المسلمين كانت قد وجدت طريقها إلى أوروبا حين كانت الكتب تترجم للغات مختلفة , ولا استغرب إن استعان العلماء الغرب ك اينشتين بالاعتماد على كتب الفلك وظهر بنظرياته المشهورة عن الفيزياء الكمية والعوالم المختلفة
من الجدير بالذكر أن اليهود لم تطرأ عليهم تدهور في التحصيل العلمي والابتكار نتيجة للتيارات المتطرفة كالتي حدثت مع النصارى والمسلمين , ويمثلون النسبة الأعلى من حيث التعليم في العالم, وذلك لأنهم أدخلو العلمانية بالدين الذي جاء من غرب أوروبا على وجه التحديد وتم اعتماده في العلم , الشيء الذي منحهم ميزة التفوق على الشعوب الأخرى في التبادل التجاري والإقتصاد إلى الآن
أنا لا أدعو هنا إلى التحرر من الدين لبلوغ اقصى مراحل العلم كما فعل الأوربيين عندما طبقوا مبدأ الليبرالية وبدأت عندهم عصر النهضة على حد قولهم أو اليهود حين اقروا بمبدأ العلمانية, أنما أدعو إلى التحرر العقلي من بعض الفكر التقليدي الذي يسوق له بعض المجتهدين دونما اكتراث لأصحاب الفكر المتحضر واللامحدود, منهج المعتزلة كان ولا يزال التفسير الأصح للدين الاسلامي فهو بذلك يرى بأن الدين مكملا للعلم ليس مناقضا له, ف العلم هو ايحاء من الله تعالى إن شاء انار به عقول أرواح تقية
المراجع
Religion and Education Around the World.Dec 16. Pew search center. link
العلوم في الاسلام.تمت مطالعته في يونيو 20 . الرابط
صالح الأشمر. المعتزلة … أكبر مدرسة عقلانية في الاسلام. يونيو 18. الرابط
كريم الهاني. علماء حاربهم الإسلام. يونيو 19. الرابط
العصر العباسي. ويكيبيديا . الرابط